بـــورســــــــعــــيـــد .......... بــطــولــة شــعــب

عدد المساهمات : 99 تاريخ التسجيل : 05/05/2010

بورسعيد .. بطولة شعب

**أبناؤها هزموا العدوان الثلاثي عام 1956 .. والحكومة هزمتهم عام 2006
البورسعيدية ضحوا بأرواحهم ودمائهم من أجل مصر .. وانتصروا علي محور انجلترا وفرنسا وإسرائيل

*** تحقيق: عاطف خليل - عبدالرحمن بصلة :: جريدة الوفد

منذ خمسين عاما وقف شعب بورسعيد العظيم صامدا ضد العدوان الثلاثي الغاشم من دولتين عظميين في ذلك الوقت انجلترا وفرنسا ومعهما اسرائيل وكان نصر هذا الشعب بداية الانتصار في الوطن العربي كله. وشعب بورسعيد له شخصيته المتميزة التي رسخت فيه امكانيات التحدي ووقف علي مر العصور ضد الغزاة والمعتدين ضد الاحتلال الانجليزي عام 1882 وأثناء ثورة 1919 وشارع صفية زغلول مليء بذكريات لشهداء صرعهم رصاص الاحتلال البريطاني.

وجاءت حرب 1956 لتكون ذروة التحدي لبورسعيد في مقاومة الاستعمار العالمي الذي قهر علي ارض بورسعيد حيث ضرب الشعب البورسعيدي البطل أفضل نماذج التضحية والفداء لقد واجه هذا الشعب المزود بأبسط الأسلحة القديمة وقتها عدوا غادرا يمتلك من السلاح أحدثه فكانت المعركة تستهدف الأطفال والنساء والشيوخ حتي المباني الخرسانية لم تسلم من الدمار والخراب ورغم عدم تكافؤ المعركة بين الجانبين الا ان الشعب البطل رفض الاستسلام وقرر الرجال تهجير اسرهم ليتفرغوا للعدو فكانت معركة من أجل البقاء استغرقت 53 يوما هي الأخطر في حياة بورسعيد وبأساليب بدائية وصمود الابطال نجح شعب بورسعيد بمعاونة بعض الوحدات العسكرية من الجيش والشرطة أن يلقنوا القوي العظمي درسا في فنون القتال.

تحية لشعب بورسعيد الذي احتفل يوم الخميس الماضي بذكري النصر تحية للشهداء العظام الذين قدموا أرواحهم ودماءهم فداء لمصر ولبورسعيد.

لم يكن تأميم قناة السويس السبب الرئيسي لنشوب حرب 1956 لأن التأميم لم يهدد حرية الملاحة في القناة لكن عندما أعلنت مصر التأميم في 26 يوليو 1956 عقدت انجلترا العزم علي العدوان ضد مصر واحتلال القناة من جديد وأيدتها في ذلك فرنسا ووجدت الدولتان في ذلك ذريعة مناسبة للتدخل وتحطيم قوة مصر والقضاء علي نظام الحكم فيها. أما الولايات المتحدة فكان موقفها معقدا تجاه تلك الأزمة خوفا من اندلاع حرب عالمية ثالثة.

بدأت استعدادات انجلترا وفرنسا لغزو مصر وبدأت تلك الاستعدادات في تجميع المدرعات الحربية الثقيلة بعد اختيار قاعدة مالطة التي تبعد عن مصر بحوالي 1000 ميل وبدأت الاساطيل البريطانية والفرنسية في التحرك بعد استدعاء 125 ألف جندي من الاحتياط وبدأت الحركة في ميناءي »بوتسموت الانجليزي« وطولون الفرنسي لإعداد حاملات الطائرات والسفن الحربية المشتركة في الغزو.

وفي إسرائيل اقترح موشيه ديان علي بن جورين رئيس وزراء اسرائيل ـ وقتذاك ـ ثلاث خطط لعملية الهجوم علي مصر هي احتلال شبه جزيرة سيناء وقناة السويس والسيطرة علي شرم الشيخ واحتلال قطاع غزة.

وخلال يومي 11 و12 اغسطس 1956 بدأت العائلات الفرنسية تغادر مصر ورحلت ثلاث آلاف سيدة وطفل قبل آخر الاسبوع وفي المقابل كانت مصر تقدر مدي خطورة الاسلحة الفرنسية والبريطانية فضلا عن الخطر الاسرائيلي لكن في الوقت نفسه فإن فرنسا كانت مشغولة في الجزائر وبريطانيا وجنودها مبعثرين في دول العالم حيث ان مصالحها تقتضي ذلك وجاء مؤتمر لندن الذي لم يوفق في إصدار بيان أو قرار لتقريب وجهات النظر. وفي 19 سبتمبر عقد مؤتمر لندن الثاني وانفض المؤتمر في جو من الغموض ولم يتم التوصل لشئ والحقيقة ان بريطانيا كانت تريد استنفاد جميع امكانيات الحلول السلمية استعدادا للعمل العسكري.

وفي مساء 28 سبتمبر سافر وفد اسرائيلي الي فرنسا بتوجيهات من بن جوريون وخلال اجتماعات الوفدين الإسرائيلي والفرنسي اغتنمت اسرائيل الفرصة وقدمت مطالبها من السلاح وبعد عودة الوفد الي اسرائيل دعا موشيه ديان هيئة الأركان ليعطيهم الأمر الانذاري الاول واحتمال القيام بعمل مشترك مع فرنسا وبريطانيا.

وبالفعل تم التنسيق بين وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا مع كل الاطراف واتفقوا علي قيام القوات الاسرائيلي في مساء 29 اكتوبر 1956 بشن هجوم واسع النطاق علي القوات المصرية بهدف الوصول الي قناة السويس وبعدها وجهت الحكومتان البريطانية والفرنسية في 30 أكتوبر نداءان الي الحكومتين المصرية والاسرائيلية بهدف وقف اطلاق النار وسحب كل القوات المسلحة الي مسافة 10 أميال بعيدا عن قناة السويس واذا لم تستجب الحكومة المصرية الي شرط النداء في الموعد المحدد تقوم القوات البريطانية والفرنسية بالهجوم علي القوات المصرية صباح 31 أكتوبر 1956.

وبعد عودة بن جوريون الي اسرائيل يوم 25 اكتوبر روجعت اللمسات الأخيرة التي أدت الي القيام بالعدوان يوم 29 اكتوبر، وبالفعل بدأ العدوان يوم الاثنين 29 اكتوبر حيث قام الجيش الإسرائيلي بشن هجوم علي الكونتيلا علي حدود سيناء وحددت بريطانيا وفرنسا صباح 31 اكتوبر للرد علي طلب انسحاب القوات العسكرية لمسافة 10 اميال غرب القناة الا ان مصر رفضت الانذار ثم اغارت الطائرات البريطانية والفرنسية علي المدن المصرية وركزت علي ضرب الاهداف المدنية والعسكرية.

وفي أول نوفمبر 1956 كثفت انجلترا وفرنسا غاراتهما الجوية علي القاهرة والاسكندرية وعلي قواتنا التي تعبر القناة كما قامت بضرب السفينة »عكا« أثناء عبورها القناة وأدي غرقها الي توقف الملاحة في قناة السويس وفي هذا اليوم تم تعيين محمد رياض حاكما عسكريا علي بورسعيد.

وفي يوم الجمعة 2 نوفمبر أصدرت الأمم المتحدة قرارها بوقف اطلاق النار فوافقت عليه مصر ولم توافق فرنسا وانجلترا الا يوم 6 نوفمبر وقامت السلطات المصرية بتوزيع الأسلحة علي أبناء بورسعيد وأفراد المقاومة الشعبية استعدادا لكافة احتمالات الهجوم علي المدينة وتم توزيع 50 ألف بندقية فيما كثفت الطائرات البريطانية غاراتها علي المدن المصرية.

ويوم السبت 3 نوفمبر صدرت الأوامر باغراق 5 سفن عند مدخل القناة لإغلاقها للحيلولة دون احتلال مصر عن طريق القناة كما حدث ايام عرابي باشا عام 1882 وقد حاولت بعض القطع البحرية المغيرة انزال قوات كوماندوز بالسويس لوصولها الي بورسعيد الا ان زوارق الطوربيد المصرية تصدت لها وأغرقت 3 قطع بحرية منها وانسحبت باقي القطع الي قاعدتها في عدن كما قامت الطائرات المغيرة بضرب طابية السلام ونقلت القيادة المصرية مدفعيتها لموقع آخر علي الشاطئ أمام مبني محافظة القناة بميدان ابراهيم ميدان الشهداء حاليا.

ويوم الأحد 4 نوفمبر اغارت الطائرات الفرنسية والبريطانية علي مدينة بورفؤاد ودمرت كوبري الفردان.

وفي يوم الاثنين 5 نوفمبر 1956 اغارت الطائرات البريطانية القادمة من قاعدة قبرص والطائرات الفرنسية من فوق حاملات الطائرات علي مدينة بورسعيد مستخدمة قنابل النابالم وركزت ضرباتها الي المدينة في منطقة الجميل والجبانة والرسوة وبورفؤاد تمهيدا لإسقاط مظليين في تلك المناطق ولكن المقاومة الشعبية المدعمة من القوات المسلحة قاومت ببسالة منقطعة النظير ففي السابعة صباحا تم اسقاط كتيبة مظلات قوامها 250 ضابطا وجنديا بمنطقة الجميل ابيدت بالكامل بعد أن استخدم الأهالي السلاح الابيض وبدأ الاهالي في تهجير النساء والشيوخ والاطفال الي دمياط والمطرية عبر بحيرة المنزلة بواسطة اللنشات التي كانت موجودة بشارع الامين وقد هاجر من المدينة ما يقرب من 92 ألفا من النساء والاطفال والشيوخ وقد عاودت الطائرات المغيرة التحليق في سماء بورسعيد وقامت باسقاط مظلات وهمية تحمل دمي قماش لاكتشاف مناطق تمركز القوات المدافعة عن المدينة وبعدمعرفة أماكنها ضربتها ضربا شديدا فاستشهد عدد كبير من الأهالي وبعدها تم اسقاط الكتيبة الثالثة مظلات البريطانية علي دفعتين وقدرت بنحو 1200 ضابط وجندي بالاضافة الي اسقاط كتيبة مظلات فرنسية قوامها 600 ضابط وجندي بقيادة النقيب »فورمينيه« علي منطقة الرسوة فاحتلت وابور المياه بعد أن تصدت لها القوات المتمركزة في تلك النقطة بقيادة الملازم اول احتياط السيد محمد ابوعاشور واسقطت قوات مظلية فرنسية قوامها 400 ضابط وجندي علي مدينة بورفؤاد.

واشتدت المقاومة وتصدت للقوات المغيرة وشهدت الفترة من 6 نوفمبر حتي الاثنين 10 ديسمبر 1956 بطولات نادرة من جانب الفدائيين الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل النصر بعد أن نقلت اليهم الأسلحة والذخائر والمعدات عن طريق صيادي الأسماك ببحيرة المنزلة.

وخلال الأيام من 15 الي 24 ديسمبر انسحبت القوات البريطانية من داخل المدينة تدريجيا ثم وصلت افراج من قوات البوليس المصري وتسلمت قوات الأمم المتحدة مبني هيئة قناة السويس وعادت جميع القطع البحرية الانجليزية الي قاعدتها في قبرص واعتبر يوم 23 ديسمبر عيدا قوميا لأنه عيد النصر لبورسعيد ولمصر كلها.

لقد انتهي التآمر الثلاثي بلا كسب سياسي أو عسكري لأطراف العدوان لأن الهدف الأساسي كان زعزعة حكم الرئيس عبدالناصر والعودة الي احتلال قناة السويس وتحطيم الجيش المصري وهذا لم يتحقق لأن العامل الحاسم في كل ذلك كان اصرار الشعب المصري علي القتال وهذا ما كانت تخشاه المنظمة العالمية لكي لا تثير حربا عامة في الشرق الأوسط قد تمتد لتغطي العالم كله.